كثيرة هي الموضوعات التي يمكن أن يُنظر إلى تبدّلها وتغيّرها على ضوء عامل الزمن . الزمن له مدخلية أساسية في جعلها قابلة للتكيّف مع الواقع الجديد. وحتى لا يبدو الإنسان يعيش في الماضي لا بد له من قراءَة جديدة للموضوعات تتيح له إمكانية الانخراط في المستقبل وعدم الجمود في دائرة زمانية محددة.
لكن ليست كل الموضوعات والمسائل يجعلها الزمن في دائرة التقادم معرفياً وقيمياً. بل إنّ ثباتها في ذاتها ولا يمكن النظر إليها نظرة معيارية نتيجة أسباب تاريخية أو تطوّرات حادثة.
والقضية الفلسطينية هي من هذا القبيل، أي لا يطرأ عليها التحوّل والتبدّل من كونها قضية حق إلى قضية فيها وجهات نظر سياسية وتاريخية. ومن قضية ترتبط بالوجود والمصير إلى قضية مختزلة في إطار الحدود القابلة للتقسيم والتجزئة.
بحسب الفكر الاستعماري فإنّ فلسطين مجرّد جغرافيا تقبل الزيادة والنقصان كأي أرض أخرى. ويمكن أن يستوطنها أي عرق وأي بشر طالما أن منطق القوة والغلبة هو الذي حكم بهذه النتيجة. وبحسب الإجراءات السياسية فإن تسوية القضية الفلسطينية هو أمر واقعي وقابل للتحقيق.
ولهذا عمل المستكبرون من البريطانيين والأميركيين على مدى سنوات طويلة للضغط على الفلسطينيين للقبول بتسوية تقوم على تقسيم فلسطين إلى دولتين أو ما شابه ذلك من طروحات لتصفية الحق الفلسطيني بنحو كامل ونهائي.
ولكن رغم كل الجهود التي بذلوها والأموال التي دفعوها فإن القضية الفلسطينية بقيت حيّة في وجدان الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم.
هذه قضية لا تُنسى بمرور الزمن ولا يطرأ عليها التغيير بتقادم الأيام، بل إنّ التمسك بها أمر ثابت وأصيل ، ولذلك لن يكون بإمكان الصهاينة بحروب أو تهجير أو توسيع حركة الاستيطان أو تهويد القدس وبدعم شياطين العالم كلّهم أن يبدلوا من الحق شيئاً.
فهذه الأرض مغتصبة، ولا يمكن أن تصبح أرضاً شرعية للسراق. وهذه الأرض واحدة غير قابلة للتقسيم مهما بلغت الإجراءات التعسفية ضد الفلسطينيين فظاظة وظلماً.
تحرير فلسطين سيكون على الدوام هدفاً ثابتاً. والواقعية هي في ثبات الحق ولو تغيرت المعطيات والظروف. التاريخ حتماً مع الحق ولو جيّره الغزاة والمحتلون إلى جانبهم بعض السنين!